علمت من مصدر عسكري أنّ عملية عسكرية واسعة ستكون في القريب العاجل في منطقة حلب. المصدر لم يوضح اي تفاصيل اخرى سوى انه سيبلغني بعد حين لاتوجه الى المكان عارضا علي بعض الصور للجبهة المستقبلية. في غرفتي بأحد فنادق دمشق يرن هاتفي بعد ايام واذا بالمتصل يشرح ان الترتيبات اكتملت وعلي التوجه الى المكان. حالت المعوقات اللوجستية دون الانطلاق مباشرة فاجلنا الذهاب والفريق المرافق الى الصباح. وبالفعل كان. الطريق طويلة من دمشق الى حلب محفوفة بالمخاطر خصوصا في الجزء الممتد من حمص الى اثريا فمعامل الدفاع قرب السفيرة ومنها الى مطار حلب الدولي المقفل امام الحركة المدنية.

العملية تقوم على رد قوات المعارضة الى الخلف لتتمكن الطائرات المدنية من الهبوط مجددا. تمتد المنطقة المستهدفة من بلدة التيارة شرقا الى اللواء ثمانين غربا على مساحة تربو على 30 كيلومترا مربعا. الحدث يأتي بعد سيطرة الجيش السوري على مدينة السفيرة جنوب شرق حلب، ومحاولات التقدم نحو تل عرن وتل حاصل المجاورتين للسفيرة. للمرة الاولى اشاهد فيها صواريخ 107 ملم معدلة بحشوات اضافية ملصقة بشكل مخروطي على الصاروخ تطلق على هدف يبعد كيلومترين او ثلاثة، وقد سميت "بركان". وللمرة الاولى احتكاك بالقادة غير السوريين على ارض المعركة.

تولى الجهة الغربية لواء الحرس الجمهوري في الجيش السوري فدخل ثكنة "اللواء ثمانون" منذ الساعات الاولى. الثكنة هذه تقع على طريق حلب الباب وتبعد اقل من كيلومتر عن مدرجات المطار. وعلى الرغم من ارسال التعزيزات الى المكان استمر تساقط قذائف الهاون واطلاق رصاص القنص على الجنود السوريين من الجهة الشمالية الغربية حيث لا تزال قوات المعارضة تقاتل بشراسة.

السيطرة على منطقة العمليات تعني خسارة مجموعة من التلال المشرفة بشكل استراتيجي من الجهة الامامية ومن الجهة الخلفية على المطار وشماله. اهمية الامر برر عدم انسحاب مجموعات المعارضة المسلحة بسهولة، بل حاولت اعادة الدخول الى تلة التيارة اكثر من مرة بعد ان اخرجت منها.

الجبهة من الشرق والى ما قبل اللواء ثمانين تولتها مجموعات سورية بقيادة مباشرة من عناصر حزب الله. المسؤول عن ادارة النيران في الجهة الخلفية المشرفة يتولى التواصل مع المجموعات التي تعتزم التوجه الى منطقة الالتحام. قادة المجموعات غير سوريين. يخوضون القتال على ان المعركة معركتهم. والارض التي يقاتلون عليها لا تختلف عن الارض التي قاتلوا فيها سابقا في جنوب لبنان على ما يعبر احدهم. شاهدت في هذه الجولة مقاتلين بحق من الطرفين. اتاح لي موقعي القريب من غرفة العمليات ان التفت الى رصد احد الجنود مجموعة تتسلل الى تلة التيارة. امر مسؤول النار باطلاق قذائف المدفعية المساندة لدعم مجموعة محاصرة في جبانة التلة. اصيب المهاجمون بشكل مباشر ورأيت الاجساد ترتفع وتعود الى الارض. وما هي الا دقائق لتأتي مجموعة اخرى من المسلحين لتعاين المكان.

عبر المنظار العسكري الذي اذن لي استخدامه، شاهدت عنصرين يسيران بكل اطمئنان. يستهدفان مجددا بينما كانا يرفعان جثة رفيق لهم.

في الجهة المقابلة يسير "عسكري " بكل اطمئنان داخل احد الابنية التي سيطر عليها ومجموعته. هو مصاب بديسك في الظهر ويريد ان يقاتل.

كانت عناصر حزب الله في هذه المعركة عاملا اساسيا. هي التي تمتلك المعرفة. الخرائط، الحواسيب، اجهزة التنصت، الدروع الواقية والخوذات. المعركة درست قبل اكثر من شهر وبدأ حشد القوات والسلاح لها منذ ذلك الحين.

لفتني ان الفصائل المكونة من سوريين لا تقاتل الا بقيادة جندي او اكثر من حزب الله. هم لن يتقدموا ولن يناوروا ولن يطمئنوا بدون عنصر داعم من الحزب. ليسوا ضعفاء، ولكنهم لا يملكون الخبرة الوافية ولا المبادرة الذاتية. عنصران سوريان تاها في المنطقة لانهما لا يعرفان وجرت تصفيتهما بعدما وقعا بالاسر.

احد مقاتلي حزب الله حوصر ورفيق له بالقرب من مدخل التيارة. قتل الرفيق وبقي يقاتل لوحده بعدما لجأ الى احد الابنية غير المكتملة. قال لي: ابقيت معي قنبلتين يدويتين. رفعت الصاعقين وابقيتهما جاهزتين للتفجير بي وبمن يهاجمني حتى لا اقع في الاسر. تغطية نارية كثيفة ومساندة برية اطلقت المقاتل بعد ساعات غير قليلة.

انتهت مهمتنا النهارية وغادرنا المكان الى قاعة الشرف في مطار حلب. القاعة تحولت الى مضافة مجهزة. هنا اتيح لي الاحتكاك بالمقاتلين الذين عادوا لتوهم من المعركة. راقبتهم يضعون عتادهم بشكل منظم. الحقائب الكبيرة وفيها بعض الحاجيات ضرورة للجندي. الدروع الخفيفة التي تسمح بتحرك فاعل وآمن. عمدوا فورا الى شحن وسائل الاتصال العسكرية بشكل تلقائي. يتفقدون ما بقي معهم من ذخيرة.

يريني احدهم الطلقة التي خرقت الخوذة وخدشت رأسه. سألته ان كان سيذهب غدا الى الجبهة؟ يجيب بتلقائية وطريقة مباشرة بكل تأكيد ويشير الى خوذته. يحين الوقت لبعض الواتساب وتبادل الرسائل النصية. هذا يطمئن حبيبته او يتصل بصديق في منطقة اخرى للقتال. هم يتابعون الاخبار ومنافسات كرة القدم الاوروبية.

يقول لي احدهم: لاول مرة نقاتل ضد داعش. نعرفهم من لباسهم الاسود الطويل وذقونهم وتكبيراتهم وشعارات تركوها خلفهم. يضيف وصلنا الى مسافات قريبة من التماس معهم. هي التجربة الاولى لنا معهم لنختبر قدراتهم. في هذه الاثناء يدخل على المقاتلين بضعة نفر ومعهم اكياس طعام جاهز. اتوا به من مخيم النيرب المجاور.

لا شك ان المعركة طالت اكثر مما خطط لها. اتسمت بالضراوة وعدم الحسم في نقاط عدة. بلدة نقارين في وسط هذه الجبهة حسمت قبل يومين لمصلحة الجيش السوري. الطائرات المدنية لم تهبط في مطار حلب الدولي الا ان المجموعات المسلحة المعارضة خسرت على الارض مساحات كبيرة كانت ملعبا سهلا لها لسنتين ونصف.